قال الله تعالى :
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }(3) سورة القدر
استحباب طلب ليلة القدر
و يستحب طلبها في الوتر من العشر الأواخر في رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يجتهد في طلبها في العشر الأواخر من رمضان , و تقدم انه إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل و أيقظ أهلة و شد المئزر .
أي الليالي هي ؟؟
للعلماء آراء في تعيين هذه الليلة فمنهم من يرى: أنها ليلة الحادي والعشرين ومنهم من يرى أنها الثالث والعشرين ومنهم من يرى أنها الخامس والعشرين ومنهم من يرى أنها السابع والعشرين ومنهم من ذهب أنها ليلة التاسع والعشرين ومنهم من قال إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر وأكثرهم على ليلة السابع والعشرين و روى احمد بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين ))
وعن أُبى بن كعب أنه قال ( والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف ما يستثنى - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بقيامها هي ليلة السابع و العشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ) ::: رواة مسلم و أحمد و أبوا داود و الترمزى :::
قيامها و الدعاء فيها
عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( من قام ليلة القدر إيماناً و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه )) ::: رواة البخارى و مسلم :::
وعن عائشة رضي الله عنها قالت , قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال (( قولي:اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعفو عنى )) ::: رواة أحمد و ابن ماجة و الترمزى:::
الاعتكاف
معنى الاعتكاف
الاعتكاف لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيراً كان أم شراً قال تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء
أي مقيمون متعبدون لها والمقصود به هنا لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عز و جل .
مشروعية الاعتكاف
أجمع العلماء على ان الاعتكاف مشروع فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً ::: رواة البخارى و او داود و ابن ماجة :::
وقد اعتكف أصحابة و أزواجه معه وبعده وهو وإن كان قربة إلا انه لم يرد في فضلة حديث صحيح قال أبو داود: قلت لأحمد رحمه الله: تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال: لا إلا شيئاً ضعيفاً .
أقسام الاعتكاف
ينقسم الاعتكاف إلى مسنون وإلى واجب
-المسنون ما تطوع به المسلم تقرباً لله عز وجل وطلباً لثوابه واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ويتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان لما تقدم والاعتكاف الواجب ما أوجبه المرء على نفسه إما بالنذر المطلق مثل ان يقول: لله على أن اعتكف كذا أو بالنذر المعلق كقوله: إن شفا الله مريضي لاعتكفن كذا و في صحيح البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (( من نذر أن يطيع الله فليطعه )) وفيه : إن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام , فقال (( أوف بنذرك )) .
زمن الاعتكاف
الاعتكاف الواجب يؤدى حسب ما نذره و سماه الناذر فإن نذر الاعتكاف يوماً أو أكثر وجب علية الوفاء بما نذره والاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد فهو يتحقق بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر و يثاب ما بقى في المسجد فإذا خرج منه ثم عاد إلية جدد النية إن قصد الاعتكاف فعن يعلى بن أمية قال: إني لأمكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف
و قال عطاء:هو اعتكاف ما مكث فيه وإن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف وإلا فلا وللمعتكف أن يقطع اعتكافه المستحب متى شاء قبل قضاء المدة التي نواها
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفة و انه أراد مره أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائة فضرب قالت عائشة: فلما رأيت ذلك أمرت ببنائى فضُرب وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائة فضُرب فلما صلى الفجر نظر إلي الأبنية فقال:ما هذه ؟ البر تُردن ؟ قال : فأمر ببنائة فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول ( يعنى من شوال ) فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم نساءه بتقويض أبنيتهن
و ترك الاعتكاف بعد نيته منهن دليل على قطعه بعد الشروع فيه و في الحديث ان للرجل ان يمنع زوجته من الاعتكاف بغير إذنه و إلية ذهب عامة العلماء و اختلفوا فيما لو أذن لها هل منعها بعد ذلك ؟ فعند الشافعي و أحمد وداود:له منعها و إخراجها من اعتكاف التطوع .
شروط الاعتكاف و أركانه
المعتكف يجب ان يكون مسلماً مميزاً طاهراً من الجنابة و الحيض و النفاس فلا يصح من كافر ولا صبى غير مميز ولا جُنب و لا حائض ولا نفساء .
أركان الاعتكاف
حقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله عز و جل فلو لم يقع المكث في المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف أما وجوب النية فلقول الله عز و جل { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (5) سورة البينة
ولقول الرسول صلى الله عليه و سلم (( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل إمرىء ما نوى ))
و أما أن المسجد لابد منه فلقول الله عز و جل { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (187) سورة البقرة
ووجه الاستدلال انه لو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد لأنها منافية للاعتكاف فعلم أن المعنى بيان الاعتكاف إنما يكون في المساجد .
صوم المعتكف
المعتكف و إن صام فحسن و إن لم يصم فلا شيء عليه روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ان عمر قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: أوف بنذرك
ففي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بالوفاء بالنذر دليل على أن الصوم ليس شرطاً في صحة الاعتكاف إذ انه لا يصح الصيام في الليل
و روى سعيد بن منصور عن أبى سهل قال:كان على امرأة من أهلي اعتكاف فسألت عمر بن عبد العزيز قال:ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها فقال الزهري:لا اعتكاف إلا بصوم فقال له عمر:عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:لا فخرجت من عنده فلقيت عطائاً وطاوساً فسألتهما فقال طاوس:كان فلان لا يرى عليها صياماً إلا ان تجعله على نفسها وقال عطاء: ليس عليها صيام إلا ان تجعله على نفسها قال الخطابي:وقد اختلف الناس في هذا فقال الحسن البصري: إن اعتكف من غير صيام أجزأه وإليه ذهب الشافعي
و روى عن على و ابن مسعود أنهما قالا:إن شاء صام و إن شاء أفطر
وقال الأوزاعى ومالك:لا اعتكاف إلا بصوم وهو مذهب أهل الرأي و روى ذلك عن ابن عمر ابن عباس وعائشة وهو قول سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري .
ما يُستحب للمعتكف و ما يكره له
يستحب للمعتكف ان يُكثر من نوافل العبادات ويشغل نفسه بالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء نحو ذلك من الطاعات والعبادات التي تقرب العبد من ربه عز وجل ويمكنه أيضا القراءة في كتب التفسير أو الحديث وغيرها أو الجلوس في حلق الذكر والعلم ويستحب له ان يأخذ صحن في المسجد اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم
ويُكره له ان يشغل نفسه بشيء غير العبادات والطاعة مثل الكلام في غير المفيد او العمل في شيء غير الطاعات ويُكره له الإمساك عن الكلام ظناُ له ان ذلك يقربه من الله عز و جل فقد روى البخارى و ابن ماجة و ابو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه سلم قال : بينما النبي صلى الله عليه و سلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولايقعد ولايستظل ولايتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( مُره فليتكلم وليستظل وليقعد ولُيتم صومه )) و روى ابو داود عن على رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه و سلم قال (( لايُتم بعد احتلام ولاصُمات يوم إلى الليل )) .